الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستنفار للذب عن الصحابة الأخيار **
إن ظاهرة احتراف الطعن في الآخرين بلية عظيمة وسجية قبيحة وعواقبها سيئة ومراميها خطيرة ولا سيما إذا كانت في أنصار الدين حزب الرحمن الموحدين فإن أبعادها قواصم التاريخ والدين ، ولهذا فإن محترفي الطعن لم يكتفوا بثلب معاوية وتتبع السقطات من هنا وهناك بل تجاوزوا ذلك إلى أعداد من الصحابة ونالهم نصيب من عدوانهم من القذف بالباطل والرمي بالنفاق أو التجبر والمحاباة والانحراف عن عدل الإسلام أو القتال للسياسة والعصبية وحماية قبائل العرب وغير ذلك من مفتريات المزورين للحقائق الثابته والمعالم الصحيحة ، وقد أصاب ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن حواريه من عواهن كلامهم وسقطه ما يبرأ منه كل مؤمن ويقطع ببطلانه كل منصف وقد اتفق الأكابر من أهل العلم على أن ابن الزبـير أحد الصحابة الأبطال الذين جاهدوا في سبيل الله حق جهاده وأبلى في الإسلام بلاء حسنا وهانت عليه نفسه في سبيل الله وخاض المعارك والحروب ضد أعداء الدين وعبيد الشهوات واشترك في معظم الفتوحات الإسلامية من بلوغه الرابعة عشرة من عمره وكان صاحب علم ورواية وتأله وعبادة وقيام على أهل الباطل وجهاد للعدو ، وقـد كـان الصحابة - ولا سيما خالته أم المؤمنين عائشة - يحبونه ويعرفون لـه قدره وفضلـه ، وأما قيامه بالإمارة وقتاله على ذلك فالظن فيه وفي أمثاله من أهل الخير والصلاح أنه لله رب العالمين لإعلاء كلمته ونصر دينه ورفع راية التوحيد ودفع الظلم عن المظلومين واستخلاص حقوقهم ونشر الخير بين الرعية وإقامة الجهاد . والخبر الوارد في المسند (1/64) من طريق يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى عن عثمان - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبدالله عليه مثل نصف أوزار الناس ) فيه نظر وليس فيه ما يدل على أنه عبدالله بن الزبير . قال الحافظ الذهبي - في السير (3/375) ( في إسناده مقال ) ، وقـال الحـافظ ابن كثير - رحمه الله - في البداية ( 8/339) - : هذا الحديث منكر جداً وفي إسناده ضعف ويعقوب هذا هو القمي وفيه تشيع ومثل هذا لا يقبل تفرده به وبتقدير صحته فليس هو عبدالله بن الزبير فإنه كان على صفات حميدة وقيامه في الإمارة إنما كان لله عز وجل ، ثم هو كان الإمام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة وهو أرشد من مروان بن الحكم حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه وقامت البيعة له في الآفاق وانتظم له الأمر والله أعلم ) . وهذا الكلام وجيه والخبر معلول ولكن لا يصح تضعيفه بتشيع القمي [ وحقيقة التشيع عند أهل الحديث تخالف حقيقته عند المتأخرين فالغالب على تشيع المتأخرين الرفض وتكفير الصحابة والبراءة من أمهات المؤمنين ونحو ذلك من عظائم دينهم ومثل هذا الضرب لم يكن أهل الحديث يروون عن أحد منهم لكثرة كذبهم وعدم أمانتهم ، وتشيع القمي ومثله أبان بن تغلب وعبيدالله بن موسى وجمهـرة كثـيرة أحـاديثهم في دواوين أهـل العـلم هو التشيع بلا غلو ولا طعن في الشيخين ولا تكفير للصحابة وقذف لعائشة رضي الله عنها وانظر في ذلك ميزان الاعتدال (1/5)] فلا يزال الأئمة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم يخرجون لأهل البدع ممن لا تخرجه بدعـته عـن الإسلام سواء كان داعية أم لا وسواء روى مـا يؤيد بدعته أم لا [وتعديل الأئمة لرواية المبتدع الصدوق دليل على عظيم عدلهم وإنصافهم ، فهم يطعنون في رأي المبتدع ويحذرون منه فإذا جاءت روايته وكان متصفاً بالصدق والضبط لم يمنعهم مانع من قبول روايته وتدوينها في كتبهم والاحتجاج بها في مصنفاتهم وهذا من تمام العدل والقسط والقيام بالحق ، ومن نازع من الأئمة في قبول رواية المبتدع الذي لا تخرجه بدعته عن الإسلام ففي نزاعه نظر ، فإنه لا يخلو كتاب حديثي من التخريج لهذا النوع ، واعتبر ذلك في مسند أحمد والأمهات الست ومصنفي عبدالرزاق وابن أبي شيبة وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان والمعاجم الثلاثة للطبراني وغيرها ، وقد ذكر الإمام ابن حبان رحمه الله في مقدمة صحيحه ( أنه يقبل رواية المبتدع الثقة ما لم يكن داعية إلى ما ينتحل ) وفي هذا نظر وقد جاء في صحيحه ما يخالف هذا . فقد روى لأبي معاوية محمد بن خازم الضرير أحد رجال الستة وهو من دعاة المرجئة ، قاله أبو زرعة تاريخ بغداد (9/299) وغيره ، وروى لشبابة بن سوار أحد رجال الستة وهو من دعاة المرجئة ، قاله أحمد بن حنبل ( ميزان الاعتدال (2/260) ، وقيل رجع شبابة عن رأيه . قاله أبو زرعة ( تاريخ بغداد (9/299) وفي الجعبة غير ذلك من دعاة أهل البدع المخرج لهم في صحيح ابن حبان وغيره من دواوين أهل الإسلام المشهورة فلا أطيل بذكر ذلك ، فالأمثلة تستغرق صفحات ، والموضوع من الوضوح مالا يحتاج معه إلى كثير تمثيل والله الموفق] فالعبرة بحفظ الراوي وضبطه ، فإذا كان حافظاً ثقة عدلا صح حديثه [ما لم يطرأ على حديثه علة من تفرد عمن هو أوثق منه أو غير ذلك] ويعقوب هذا قد وثقـه غير واحد ، وقال عنه الإمام النسائي : ليس به بأس . وقد تقدم أنه لا يصح تفسير الخبر بعبدالله بن الزبير فإنه بهت وقـول على الله بلا علم ، فأمـر عبدالله بن الزبير من العلم والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله والصدع بالحق وكثـرة العبادة من صلاة وصوم أمر يستحيل معه أن يكون هو الملحد في مكة وقـد كـان الـصحابـة - رضي الله عـنهم - في وقـتـه يثنون عـليه ويـعرفـون له حـقـه .وقـد جـاء في البخـاري ( 8/326- الفتح ) عـن عبـدالله بـن عباس - رضي الله عـنه - أنـه قال - مثنياً عليه - : ( أما أبوه فحواري النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد الزبير وأما جده فصاحب الغار يريد أبا بكر وأما أمه فذات النطـاقين يـريد أسماء وأمـا خـالته فأم المؤمنين يريد عائشة وأما عمته فزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد خديجة وأما عمة النبي صلى الله عليه وسلم فجدته يريد صفية ثم عفيف في الإسلام قارئ للقرآن ) فالحقائق ظاهرة والدلائل قائمة على فضله وجلالة قدره وسلامة دينه فلا تصغ لمن تعرض لمقت الله وسخطه ولج في الباطل وتقحم طرق الضلال وبسط لسانه في خيار الأمة وفضلاء الرجال فالصحابة كلهم عدول من لابس منهم الفتن ومن لم يلابسها لما لهم من المآثر العظيمة والفضائل الجليلة من نصر الدين وإغاظة الكفار والمجرمين وبذل الأموال والنفوس لحماية رسول الله -صلى الله عليه وسلم - والذب عنه وفتح البلاد شرقاً وغرباً وتبليغهم العلم في فجاج الأرض وأقطارها وإعلاء كلمة الإخلاص وتحقيق العمل بها باطناً وظاهراً وهذا كله بالاتفاق [انظر هذا الاتفاق في الكفاية للخطيب البغدادي والاستيعاب لابن عبدالبر وشرح النووي على مسلم والتقريب مع تدريب الراوي وغيرها] لدلالات الكتاب والسنة فمن تزبع بعـد هـذا وزعم أنـه مباح له الكلام في ابن الزبير وغيره من نخبة الرجال وحملة الدين فقد آذى نفسه وظلم غيره قيل لأبي عبدالله أحمد بن حنبل - رحمه الله - ( ما تقول فيمن زعم أنه مباح له أن يتكلم في مساوي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو عبدالله : هذا كلام سوء رديء يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ويبين أمـرهـم للناس ) رواه الخـلال في السنة ( ص512) بسند صحيح . وكلام الأئمة في ذم هذا الصنف وهجرهم والتحذير من مسالكهم كثير وتراه مبسوطاً في شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي والشرح والإبانة لابن بطة والسنة للخلال وغيرها . ولا أحسب أحداً ينقب عن عثرات الصحابة ويبحث لهم عن الزلات المبنية على الشبه الواهية إلا وقد رخص عليه دينه . وقد قال الإمام أحمد - رحمه الله - : ( إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوء فاتهمه على الإسلام ) [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجمـاعـة (7/1252) للالكائي رحمه الله ، وتاريخ ابن عساكر (59/209)]. وكان المفترض ممن يدعي الإسلام والسنة محبة الصحابة ونصرتهم والذب عنهم ونشر فضائلهم ومحاسنهم والكف عن مساويهم والرد على أعدائهم من الروافض وأمثالهم من أعداء الملة وأتباع الشيطان . أما غض الطرف عن مجرمي هذا الزمان ومن قبل من روافض وشيوعيين وقوميين وعلمانيين والقفز إلى أئمة الإسلام كأبي هريرة ومعاوية وابن الزبير رضي الله عنهم ، وفريهم وتصيد عثراتهم واتهام مقاصدهم وإساءة الظن بهم وطمس محاسنهم بمجرد شبه واهية ومقامات محتملة فهذا ظلم مبين وهتك لأعراضهم ونزع للثقة بهم وبمروياتهم ، وتجرئة على تناول غيرهم على نسق أسلافهم ( لهم ما للناس وعليهم ما على الناس ) ) فيا ويلهم يوم تبلى السرائر ويقوم الناس لرب العالمين ، فإن هذا المشرب وهذا التجريح في أنصار الدين وحزب الرحمن الموحدين لغاية في القبح وفساد في الرأي ورقة في الدين فإن من تحركت نفسه للطعن في واحد من الصحابة الأخيار فليس بغريب منه أن يحركه جهله في ثلب آخرين وآخرين فالبعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير . وإنني - مع كثرة ما قرأت في السنة والحديث والتاريخ وغيرها - لم أعهد أحداً من أهل السنة المناوئين لأعدائها احترف ظاهرة التجريح لأحد من الصحابة لا معاوية ولا عبدالله بن الزبير ولا غيرهما ، وإنما جاء في كتب الروافض الطعن في معاوية - رضي الله عنه - واختلاق الأحاديث والحكايات في ذمه وشتمه . وهذا غير غريب من الروافض المخذولين فهم همج الورى وأكذب الطوائف الضالة وأجهلهم بعلم المنقولات والمناظرة في المعقولات ، وليس على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - طائفة أضر منهم فقد جمعوا مستنقعات الضلال ومراتع الإلحاد ونتن الأمم السابقة فهم أشبه وألصق الطوائف الضالة باليهود . ومن نظر في كتبهم استقل ما نقل عن بعض السلف من كونهم أكذب الناس وأجهلهم . فقد جاءت في كتبهم التي يدينون الله بها ، ويعتقدونها ما فيها وينـاضلون عنها ، شآبيب من العقائد الفاسدة والأكاذيب الباطلة المخالفة للمنقول والمعقول . إلا أنهم لمكرهم وخداعهم لا يظهرون كثيراً من اعتقاداتهم لكل أحد ، إنما هو لأتباعهم ومن هو على دينهم ، وحين يخالطون أهل السنة ويناظرونهم يلجؤون معهم إلى التقية [وهي أن يظهر عند مخالفيه خلاف ما يبطن ليتوصل للأغراض الفاسدة والتعمية لأمره]. أوباصطلاح آخر ( الغاية تبرر الوسيلة ) وهذه عقيدة عندهم يأثم تاركها بل جعلوا تركها بمنـزلة ترك الصلاة . كماقال - الملقب برئيس المحدثين عندهم - ابن بابويه القمي: ( التقية واجبة من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة ) . وقال آخر : ( الاعتقاد بالتقية والمتعة اعتقاد بالقرآن والإنكار لهما إنكار للقرآن وكفر به ) . واختلقوا كذباًَ وزوراً على جعفر بن محمد أنه قال : ( إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له ) [وهذا كذب على الله وعلى رسوله -صلى الله عليـه وسلم - فليست التقية على ما اصطلحوا عليه من الدين بل هي نفاق محض ، وانظر - إن كنت ذا علم - أقوالهم في التقية في المراجـع الآتية : الأصول مـن الـكافي (2/217-226) والاعتقادات (114-115) لابن بابويه و المحاسن (259) ، وكذبوا على الشيعة (373)] . ولهم في التقية أقوال غير هذه فقد فسروا بعض الآيات بذلك ، ولولا خشية الإطالة لذكرت طرفاً من ذلك ؛ لكنني آثرت هنا الاختصار لأن القصد بيان حقيقة دينهم ليكون المسلم بصيراً بهم عالماً بعقيدتهم . وها أنا أنقل من كتبهم بعض عقائدهم فإن هذا أعظم زاجر وأبلغ شاهد ؛ لأن الخطر الأكبر والداء الأعظم أن يسمع بعض الناس من زخرف كلامهم وحفاوتهم مالا يعرف عن أفعالهم وعقيدتهم ، فينطلي عليه أمرهم أو يغتر بما يقولونه بألسنتهم دون قلوبهم ، فقد تقدم أن التقية عندهم تسعة أعشار الدين فاسمع من كتبهم ما يكشف لك حقيقتهم . * يقول محمد الشيرازي - في مقالة الشيعة ( ص 8 ) : ( ونعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة الطاهرين أحياء عند ربهم يرزقون ، ولذا فإننا نزور قبورهم ونتبرك بآثارهم ونُقبّل أضرحتهم كما نقبل الحجر الأسود وكما نقبل جلد القرآن الكريم ) . * وقال الـرافضي محمـد الرضوي : ( أمـا طلب الشيعة من أصحاب القبور أموراً لا يقدر عليها إلا الله تعالى ، فليس هو إلا جعلهم وسائط بينهم وبين الله وشفعاء إليه في نجاحها امتثالاً لأمره تعالى ... ) أقول كذبتم - لعمر الله - فلم يأمر الله بهذا ، أتقولون على الله مـالا تعلمون ؟! فالواسطة على هذا الوجه من اتخاذهم شفعاء ووسائط يدعونهم ويسألونهم جلب المنافع ودفع المضـار كفر باتفاق المسلمين وهذا شرك المشركين المذكور في القرآن قال تعالى : وقال تعالى : والقرآن كله من فاتحته إلى خاتمته يقرر هذا الأصل ويبين أن من دعا غير الله أو غلا في نبي من الأنبياء أو برجل من الأولياء فجعل فيه شيئاً من الإلهية أو استغاث بالأموات وتوكل عليهم وأنزل بهم فاقته وحاجته أو طاف على قبورهم وسألهم غفران الذنوب وتفريج الكروب ؛ أنه مشرك بالله ومستحق للخلود في الجحيم . قال تعالى : وقال تعالى : والمشرك بالله أجهل الخلق وأخبثهم ؛ حيث شبه المخلوق بالخالق ، والخالق بالمخلوق ، وجعل العابد معبوداً ، والعاجز غنياً قادراً ، والباطل حقاً ، والحق باطلاً ، وهذا غاية الجهل بالله والظلم للنفس . وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم عند الله قال : ( أن تجعل لله ، ندا وهو خلقك ) رواه البخاري (4477) ومسلم (86) من طريق جرير عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - . والندُّ هو الشبيه والمثيل قال تعالى : * وقد قالوا - في زيارة قبر علي -رضي الله عنه - : ( انكب على القبر ، فقبله وقل أشهد أنك تسمع كلامي وتشهد مقامي ، وأشهد لك يا ولي الله بالبلاغ والأداء يا مولاي يا حجة الله يا أمين الله يا ولي الله إن بيني وبين الله ذنوباً قد أثقلت ظهري ، فبحق من أئتمنك على سره واسترعاك أمر خلقه وقرن طاعتك بطـاعته وموالاتك بموالاته كن لي شفيعاً ، ومن النار مجيراً وعلى الدهر ظهيراً ، ثم انكب على القبر فقبله أيضاً) [ضياء الصالحين للجوهـرجي ) هكـذا اسـم هـذا الـكتاب ، وهو خليق أن يسمى عقيدة القبوريين] . ومثل هذا الشرك في القبور كثير في كتبهم ورسائلهم ، فهم يعظمون القبور ويطوفون حولها ويصلون إليها ، ولو إلى غير القبلة ، ولها ينذرون وينحرون القرابين ، وقد جعل بعض شيوخهم قبور المخلوقين مكاناً للطائفين ، وصنفوا لها مناسك كمناسك الحج إلى بيت الله العتيق ، وهم أول من بنىعليها المساجد [ انظر مؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب (1/62)] مشابهة لليهود والنصارى ، وغلواً في أئمتهم وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من فعل هذا ولعن فاعله ،فروى البخاري ( 435) ومسلم (531) من طريق الزهري أخبرني عبيد الله بن عبدالله أن عائشة وعبدالله بن عبـاس قالا : لما نزل برسول الله - صلى الله عليه سلم - طفق يطرح خميصة لـه على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه ، فقال وهو كـذلك : ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ما صنعوا . وقال - صلى الله عليه وسلم - " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك " رواه مسلم (532) من طريق زيد بن أبي أُنيسة عـن عمرو بن مرة عن عبدالله بن الحارث النجراني عن جندب - رضي الله عنه - . والأدلة متواترة في تحريم البناء على القبور ، ودلت السنة الصحيحة على وجوب هدم هذه الأبنية وإزالتها ، وهي بالهدم أولى من مسجد الضرار وبناء الغاصب ، ونحو ذلك قـال أبو الهياج الأسدي قال لي علي بن أبي طـالب - رضي الله عنه - : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليـه وسلم - ؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته . ولا قبراً مشرفاً إلا سويته " رواه مسلم (989) في صحيحه تحت ( باب الأمر بتسوية القبر ) . * وقال الرافضي نعمـة الله الجزائري : ( إنا لم نجتمع معهم - أي أهل السنة - على الله ولا على نبي ولا على إمام وذلك أنهم يقولون : ( إن ربهم هو الذي كان محمداً نبيه وخليفته بعده أبو بكر ، ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي ، إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا ) [ الأنوار النعمانية (1/278 )]. وقالت الروافض - عن القرآن - : بأنه محرف ومبدل ، وأنه قد زيد فيه ونقص ، قال نعمة الله الجزائري الرافضي : ( إن الأصحاب - يعني بذلك أهل الرفض - قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بتصريحها على وقوع التحريف في القرآن ) [الأنوار النعمانية (2/357 ]. وقدكتب أحد علمائهم كتاباً أسماه ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ) ، وهذا القول بالتحريف والتبديل في القرآن قول لجماعة منهم [انظر كتاب الشيعة والتصحيح ، مبحث تحريف القرآن ص (183-189] وبعضهم ينكر هذا وينفر منه وأكثر عوامهم لا يعرفون عن هذا شيئاً . وقد جاء في أقاويل رجال الدين عند النصارى ما يفيد شهرة هذا القول عن الرافضة ، فحين أثبت الإمام ابن حزم - رحمه الله - ما في كتب النصارى من التحريف والتبديل ، اعترضوا عليه بقول الروافض عن القرآن بأنه مبدل وقد زيد فيه ونقص ، وكان جوابه - رحمه الله - موفقاً حيث قال لهم : ( وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القرآن ، فإن الروافض ليسوا من المسلمين إنما هي فرقة حدث أولها بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس وعشرين سنة وكان مبدؤها إجابة ممن خذله الله تعالى لدعوة من كاد الإسلام ، وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر) [الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/213] . وقال - بعد حجج ظاهرة وبراهين قاطعة على دحض قول الرافضة من امتداد أيدي التحريف على القرآن الكريم - : ( ومما يبين كذب الروافض في ذلك أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الذي هو عند أكثرهم إله خالق ، وعند بعضهم نبي ناطق ، وعند سائرهم إمام معصوم مفترضة طاعته ولي الأمر وملك فبقي خمسة أعوام وتسعة أشهر خليفة مطاعاً ظاهر الأمر ساكناً بالكوفة مالكاً للدنيا ، حاشا الشام ومصر والفرات ، والقرآن يُقرأ في المساجد وفي كل مكان وهو يؤم الناس به ، والمصاحف معه وبين يديه ، فلو رأى فيه تبديلاً كما تقول الرافضة أكان يقرهم على ذلك ؟! ثم ولي ابنه الحسن - رضي الله عنه - وهو عندهم كأبيه فجرى على ذلك ، كيف يسوغ لهؤلاء النوكى أن يقولوا : إن في المصحف حرفاً زائداً أو ناقصاً أو مبدلاً مع هذا ؟! ) [الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/216-217]. وأما القول في أئمتهم فأعظم القول وأشنعه ، وهو تجهيل للعقول وخروج عن الدين بإجماع المسلمين ، فقد قالوا عن جعفر بن محمد : أنه قال : ( إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون ) [الأصول من الكافي ( 1/261) ، واعلم أن هذا لا يصح عن جعفر ، ولكن الروافض لا يطيب لهم الكلام إلا بالكذب ]. وذكروا عن الصادق أنه قال : ( والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين ، فقال لـه رجل من أصحابه : جعلت فداك أعندكم علم الغيب ؟ فقال له : ويحك إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء ) [بحار الأنوار (26/27) بواسطة بذل المجهود (2/456)]. وجاء في كتابهم الكافي أن الأئمة ( يعني أئمة الرفض ) يعلمون ما كان وما يكون وأنهم لا يخفى عليهم شيء ، ومثل هذا الإفك العظيم والقول الأثيم يُستغرب اعتقاده والنطق به ، لولا قلوب غلف ران عليها كسب الكفر ، وعقول حساكل تكابر في المحسوسات ، وتعارض المعقولات ، وتكذب بالمنقولات ، فلو قيل في أفضل الأنبياء والمرسلين وأعظم الملائكة المقربين بأنه يعلم الغيب المطلق ويعلم ما في السماوات والأرض وما كان ، وما يكون ولا يخفى عليه شيء في الأرض ، ولا في السماء لكان كفراً بإجماع المسلمين ، فقد اختص الله - جل وعلا - بعلم الغيب فلا ينازعه فيه إلا مشرك قال تعالى : وفي صحيح البخاري (1039) من طريق سفيان عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : لا يعلم أحد ما يكون في غدٍ ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت وما يدري أحد متى يجيء المطر " . وأما عقيدتهم في الصحابة فشر العقائد وأخبثها فلا تقرأ كتاباً من كتبهم إلا وتجد أبواباً مخصصة للعن الصحابة وسبهم وتكفيرهم إلا قليلا منهم . قال الرضوي الرافضي : ( إن مما لا يختلف فيه اثنان ممن هم على وجه الأرض أن الثلاثة الذين هم في طليعة الصحابة - يعني أبا بكر وعمر وعثمان - كانوا عبدة أوثان ) [كذبوا على الشيعة لمحمد الرضوي ص (223]. وقالوا عن أبي بكر رضي الله عنه : ( كـان [الأنوار النعمانية للجزائري (1/53) ] يصلي خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصنم معلق في عنقه يسجد له ) . وقالوا عن عمر رضي الله عنه : ( إن كفره مساو لكفر إبليس إن لم يكن أشد [تفسير العياشي (2/223-224) ]، وقال نعمة الله الجزائري الرافضي : ( كان عثمان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن أظهر الإسلام وأبطن النفاق ) . ومثل هذه الألفاظ التي هم أحق بها وأهلها دارجة على ألسنتهم ، ولا تخلو من مثلها ونظائرها مصنفا تهم فقد اعتادوا الكذب في الأخبار وتلفيق الروايات في سب الصحابة الأبرار ، والقدح في عدالتهم وقذفهم بالموبقات ، ورميهم بالمكفرات ، ولا سيما الخلفاء الراشدون أبـو بكر وعمر وعثمان ، فقد جعلوهم عبدة أوثان وأهل كفر ونفاق . وقد تواترت الأخبار الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحت الآثار عن أهل البيت بأن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -خير الناس بعد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وأفضل الصحابة وأقومهم بأمر الله وأطوعهم لرسـول الله - صلى الله عليه وسلم - وقـد روى البخـاري (3662) ومسلم (2384) من طريق خالد الحذاء حدثنا أبو عثمان قال حدثني عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة فقلت من الرجال ؟ فقال أبوها . قلت ثم من ؟ قال : ثم عمر بن الخطاب فعد رجالاً ) وأجمع أهل السنة على تفضيل عثمان - رضي الله عنه - بعدهما للاتفاق على تقديمه في الخلافة ، ولقول عبدالله ابن عمر - رضي الله عنهما - : " كنا نخير بين الناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان -رضي الله عنهم - " رواه البخاري في صحيحه (3655) من طريق يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر. ورواه(3697) من طريق عبيدالله عن نافع بلفظ " كنا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نعـدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - لا نفاضل بينهم " وروى البخاري في صحيحه (3671) من طريق جامع بن أبي راشد حدثنا أبو يعلى عن محمد بن الحنفية قـال قلت لأبي : أي الناس خير بـعـد رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال أبوبكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان ، قلت ثم أنت . قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين " . وهذا النقل عن أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - متواتر ، وانظر طرق ذلك في كتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد ص (300) إلى ص (313) . قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري (7/34) قد سبق بيان الاختلاف في أي الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر : عثمان أو علي وأن الإجماع انعقد بآخره بين أهل السنة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة رضي الله عنهم أجمعين " . وقد جاء في الصحيحين [البخاري ( 3674 ) ، ومسلم ( 2403 ) .] من حديث أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يبشر أبا بكر وعمر وعثمان بالجنة . وروى البخاري في صحيحه (3675) من طريق سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك - رضي الله عنه - حدثهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان فـرجف بهم . فقال " اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان " . وهـذه الأحـاديث الصحيحة في فضائل الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان غيض من فيض ،فـالطعن فيهم بعد هذا ، نفاق محض ، ودعوى ردتهم وعبادتهم للأصنام كفر أكبر لا ينازع فيه مسلـم ، فقـد دل الكتـاب والسنة المتواترة وإجمـاع المسلمين عـلى خـلاف قـول الروافض قـال تعـالى : وقـال تعـالى : فمن آمن بالقرآن ؛ آمن بفضل الصحابة من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وحفظ لهم سابقتهم وجهادهم وقيامهم بالحق والعدل به ، وتبرأ من كل قول يناقض ذلك ، ويدعو إلى السطو على حقائق تاريخهم ، أو الحط من قدرهم والقدح في عدالتهم . وقد روى الحافظ ابن عساكر من طريق عبدالله بن صالح حدثني خالد بن حميد عن أبي صخر حميد بن زياد قال : قلت لمحمد بن كعب القرظي يوماً : ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كان من رأيهم ، وإنما أريد الفتن فقال : إن الله قد غفر لجميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوجب الله لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم .قلت : في أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه ؟ فقال : سبحان الله ! تقرأ قوله : فأوجب الله لجميع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الجنة والرضوان ، وشرط على التابعين شرطاً لم يشرطه عليهم ، قلت : ومـا اشترط عليهم ، قال اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان ، يقول : بأعمالهم الحسنة ولا يقتدون بهم في غير ذلك ، قال أبو صخر:فوالله لكأني لم أقرأها قط وما عرفت تفسيرها حتى قرأها عليَّ محمد بن كعب) [تاريخ دمشق (55/146-147) .]. والرافضة يحملون لأهل السنة كل كيد ، وبغض ويزعمون ردتهم ، وأنهم مـن أصحاب السعير ، وهذا من أعظم أنواع الردة عن الدين وأقبح الكفر . وقـد انتزع الإمـام مالك - رحمه الله - كفر الـروافض من قوله تعالى: قال بشر بن الحارث : من شتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين [ الشرح والإبانة للإمام ابن بطة ص (162) .] ) وقـال الأوزاعي : ( من شتم أبا بـكر الصديق - رضي الله عنه - فقد ارتد عن دينه وأباح دمه [المرجع السابق ص (161) .] ) . وقال المروزي : سألت أبا عبدالله - يعني الإمام أحمد - : عمن شتم أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة -رضي الله عنهم - فقال : ما أراه على الإسلام [ المرجع السابق ص (161) .]. وقال أبو طالب للإمام أحمد : الرجل يشتم عثمان ؟ فأخبروني أن رجلاً تكلم فيه فقال هذه زندقة " رواه الخلال (3/493) بسند صحيح . والشتم أو السب نوعان : النوع الأول : أن لا يكون في عـدالتـهم أو دينهم فهذا لا يكفر ، ولكنه ضال. ويجب تعزيره وتأديبه ، وذلك أن يقول هـذا بخيل أو هـذا جبان ونحو ذلك مما يوهم التنقص لقدرهم والتقليل من شأنهم . الثاني : أن يكون الطعن في دينهم أو عـدالتهم أو يتجاوز ذلك ، فيزعم ردتهم أو فسقهم فهذا مرتد ، وقد تقـدم قبل قليل . وقال شيخ الإسلام - رحمه الله - من ( زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضاً في كفره ، فإنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم ، بل من يشك في كفر مثل هذا ؛ فإن كفره متعين ، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق وأن هذه الأمة التي هي وقال السرخسي - في أصوله ( 2/134) : ( فمن طعن فيهم فهو ملحد منابذ للإسلام دواؤه السيف إن لم يتب ). وقد فعل ذلك المؤمنون في سنة ست وستين وسبع مائة كما في البداية والنهاية ( 13/310) للحافظ ابن كثير - رحمه الله - قال : ( وفي يوم الخميس سابع عشرة أول النهار وجد رجل بالجامع الأموي اسمه محمود بن إبراهيم الشيرازي ، وهو يسب الشيخين ويصرح بلعنهما ، فرفع إلى القاضي المالكي قاضي القضاة جمال المسلاتي ، فاستتابه عن ذلك وأحضر الضراب ، فأول ضربة قال : لا إله إلا الله ، علي ولي الله ، ولما ضربه الثانية ، لعن أبا بكر وعمر ، فالتهمه العامة وأوسعوه ضرباً مبرحاً فجعل القاضي يستكفهم عنه فلم يستطع ذلك ، فجعل الرافضي يسب ويلعن الصحابة وقال : كانوا على الضلال ، فعند ذلك حمل إلى نائب السلطنة وشهد عليه قوله بأنهم كانوا على الضلالة ، فعند ذلك حكم عليه القاضي بإراقة دمه ، فأخذ إلى ظاهر البلد فضربت عنقه وأحرقته العامة قبحه الله) . ثم اعلم أن ما ذكر هنا عن الروافض غيض من فيض فلم أقصد الإطالة فضلاً عن الاستيعاب في بيان عقائدهم في الأولياء والصالحين وسائر الأموات من الطواغيت وغيرهم فقد زادوا على شرك مشركي العرب زمن بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد مر بك وسمعت كيف كان غلوهم في أئمتهم وصرف خالص حق الله لهم . فكن منهم على حذر فقد كان أئمة المسلمين يحذرون منهم وينهون عن مجالستهم ومخالطتهم والركون إليهم والاستعانة بهم وتوليتهم شيئاً من أعمال المسلمين [ولا يعني هذا التخلي عن مناظرتهم ودعوتهم وزعزعة دينهم وكشف التناقضات الموجودة فيه ،فإن هذا القول - وإن قاله من قاله - خلاف الكتاب والسنة والنظر الصحيح ،فإن الله أمر بدعـوة المشركين وعباد القبور والأوثان وأهل الكتابين وأذن بمناظرتهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن ، وأمر الله - جل وعلا - نبيه وكليمه موسى بأن يذهب هو وأخوه هارون - عليهما السـلام - إلى فرعون أكفر أهل الأرض القائل أنا ربكم الأعلى فيدعواه إلى التوحيد والإيمان بالله ، فلا نتحجّر رحمة الله تعالى وهدايته لعباده مهما بلغ كفرهم وإعراضهم ، ومهما تنوعت مسالكهم وتوجهاتهم فإن الحق يفرض نفسه ، ويعلو ولا يُعلى ، وقد أحسن من قال . أبن وجه قول الحق في صدر سامع ** ودعه فنور الحق يسري ويشرق . ثم إن ترك هؤلاء وشأنهم يقتضي تزايدهم وتفاقم أمرهم وإحداث الأضرار بالدين والدنيا . وهذا ما تجنيه نظرية التخلي عنهم مطلقاً ؛ لأنه لا يوجد من يكمم أفواههم ويأخذ على أيديهم فلم يبق إلا سبيل المناصحة والمناظرة وكشف شبههم ونصر الحق بقدر الإمكان والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.غير أن الداعي إلى الله والمناظر يجب عليه أمران أساسيان الأول : العلم بدين المسلمين وعقيدة أهل السنة والجماعة لئلا يلبسوا عليه ويوقعوه في الهلكة. الثاني : العلم بدينهم وأحوالهم عن طريق كتبهم وواقعهم . وبدون هذين الأمرين لا تجوز مناظرتهم ]. فهم خونه ليس لهم دين ولا ذمة ولا إمام ولا بيعة ولا يشهدون جمعة ولا جماعة ، وقد كانوا سبباً في سقوط الدولة الإسلامية في بغداد ، يتولون المشركين وأهل الكتاب ويعاونونهم على المسلمين حتى صارت بلاد المسلمين مجازرلهؤلاء الملاعين ،يخربون ويفسدون وينتهكون الأعراض وينهبون الأموال ، وقد ذكر أهل العلم والمؤرخون أموراً من ذلك يطول ذكرها ووصفها ، فلها تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب إنا لله وإنا إليه راجعون! . وقد جاء في المنهاج (6/374) [ ونحوه في الفتاوى (28/477-480) .] لشيخ الإسلام - رحمه الله - حديث عن ظلم الرافضة وجورهم ومعاونتهم لأعداء الله ومعاداتهم لحزب الرحمن قال : الرافضة يعاونون الكفار وينصرونهم على المسلمين كما شاهده الناس ، لما دخل هولاكو ملك الكفار الترك الشام سنة ثمان وخمسين وست مائة فإن الرافضة الذين كانوا بالشام بالمدائن والعواصم من أهل حلب وما حولها ومن أهل دمشق وما حولها وغيرهم ، كانوا من أعظم الناس أنصاراً وأعوانا على إقامة ملكه وتنفيذ أمره في زوال ملك المسلمين . وهكذا يعرف الناس عامة وخاصة - ما كان بالعراق لما قدم هولاكو إلى العراق ، وقتل الخليفة ، وسفك فيها من الدماء مالا يحصيه إلا الله فكان وزير الخليفة ابن العلقمي والرافضة هم بطانته الذين أعانوه على ذلك بأنواع كثيرة باطنة وظاهرة يطول وصفها . وهكذا ذكر أنهم كانوا مع جنكيز خان ، وقد رآهم المسلمون بسواحل الشام وغيرها ، إذا اقتتل المسلمون والنصارى هواهم مع النصارى ينصرونهم بحسب الإمكان ، ويكرهون فتح مدائنهم ، كما كـرهوا فتح عكا وغيرها ، ويختارون إدالتهم على المسلمين ، حتى أنهم لما انكسر عسكر المسلمين سنة غازان ، سنة تسع وتسعين وخمس مائة ، وخلت الشام من جيش المسلمين ، عاثوا في البلاد ، وسعوا في أنواع من الفساد ،من القتل وأخذ الأموال ، وحمل راية الصليب ، وتفضيل النصارى على المسلمين ، وحمل السبي والأمـوال والسلاح من المسلمين إلى النصارى ، أهل الحرب بقبرص وغيرها ) . وهذا قليل من كثير من خيانة الروافض للمسلمين ، وإعانة الكفار عليهم ، ولو أخذت أتتبع ما ذكره أهل العلم من تاريخهم الأسود ، لطال المقام ، وما جاء في كلام الشيخ - رحمه الله - من خيانة الوزير ابن العلقمي ، فهذا له أشباه ونظائر في الماضي والحاضر ، فإن الخميني لما تولى ، أهلك الحرث والنسل وجنى على الدين مالا يمكن وصفه هاهنا ، والوزير ابن العلقمي لما استمكن من الخليفة المعتصم العباسي ، تآمر مع التتار على نهب ديار المسلمين ، وقتل علمائهم وخيارهم فتم أمر الله : وهذه الجراح والمواجع في الأمة الإسلامية بصائر لأمور الخير وعواقب الشر ، فلا بد من الاعتبار بها ، وأخذ الدروس ، والعبر من أسباب آلامها ، والسعي بقدر الإمكان لتنحية الرافضة المفسدين واستئصال شرهم ، ومنعهم من تولي المناصب والأعمال ، والاعتياض عنهم بالمصلحين ،قبل أن نكون سلباً للأعداء وحديثاً للآخرين ، فهم فساد الديار وخراب البلاد . ليس لهـم عهد ولا ذمة ولا دين يمنعهم عن منكرات الأخلاق وفساد الأعمال ، ولا يرون بيعة لأحد لأنهم يعتبرون الحكومات الإسلامية وقضاتها في كل العصور طواغيت متآمرين على الإسلام ، كما قال بعضهم : ( تلاعبت الأيادي الأثيمة بالإسـلام والمسلمين مـن الحكام والحاكمين منذ وفـاة النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - ) . وقد يستثني بعضهم حكومـات التشيع إلى أن يظهر مهديهم المـزعوم ! محمد بن الحسن العسكري الـذي دخل في سرداب سامراء [ انظر الكامل لابن الأثير (5/373) وسير أعلام النبلاء (13/120) .] عام ستين ومئتين عن عمر لا يتجاوز التاسعة في قـول [ انظر السير للذهبي (13/121) ]، ولا يزال مختفياً عن الأنظار حتى الآن ، وتزعم الرافضة أن الأخبار الواردة في فضل انتظار هذا الغائب كثيرة متواترة ، وأن من جحده كمن جحد نبياً من الأنبياء ، وقال أحد علمائهم " ومثل من أنكر القائم - عليه السلام - في غيبته مثل إبليس في امتناعه عن السجود لآدم ) [إكمال الدين ( ص13 ) للرافضي ابن بابويه ]. قال الإمام ابن القيم في حديث عن الرافضة الإمامية ومهديها المستحيل المعدوم ( وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ، ويصيحون به أن يخرج إليهم : اُخـرجْ يا مولانا ، اُخرجْ يا مولانا ثم يرجعون بالخيبة والحرمان . فهذا دأبهم ودأبه. ولقد أحسن من قال : ما آن للسرداب أن يَلِدَ الذي ** كلمتموه بجهلـكم ما آنا فعلى عقولكم العفاءُ فإنكم ** ثلثتمُ العَنْقاءَ والغِيــلانا ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منهم كل عاقل ) [المنار المنيف ص ( 152]. نسأل الله العافية والمعافاة . كتبه سليمان بن ناصر العلوان في 29/1/1419هـ القصيم - بريدة
|